الخميس، 18 أبريل 2013

« عُلُوِّ الباري ، ومباينته لخلقه ، واسْتوائه على عرشه »

قالَ الإمام عبد الرَّحْمَن بن ناصر السَّعديُّ (ت: 1376هـ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: هذا الأصل العظيم لم يزل الصَّحابة والتَّابعون لهم بإحسان يعترفون ويعلمون علمًا لا يرتابون فيه، بما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة مِنْ عُلُوِّ الله تَعَالَى، وأنَّه فوق عباده، وأنَّه على العرش اِسْتوى، وأنَّ لهُ جميع معاني العُلُوّ: «عُلُوِّ الذَّات»، و«عُلُوِّ القدر وعظمةِ الصِّفات»، و«عُلُوِّ القهر لجميع الكائنات»، حتَّى نبغت الجهميَّة ومَنْ تبعهم فأنكروا المعنى الأوَّل، لا ببرهانٍ عقليٍّ، فإنَّ العقل دلَّ على عُلُوِّ الله تَعَالَى على خلقه بذاته دلالة فطريَّة واضحة، ولا ببرهانٍ نقليٍّ، فإنَّ جميع النُّصوص تُنافي قولهم وتُبطله وتُثبت لهُ تَعَالَى كمال العُلُوِّ مِنْ كلِّ وجه.

في القُرآن «العليّ» في مواضع كثيرة، وفيه «الأعلى»، وذلك يدلُّ على أنَّ عُلُوِّه مِنْ لوازم ذاته وأنَّ جميع معانيه ثابتة لله تَعَالَى.

وفيه الإخبار: عَنْ فوقيَّته للمخلوقات كقوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾. ﴿النَّحل: 50﴾.

والإخبار: بعُروج الأشياء إليه وصُعودها وبنُزولها منه، كقوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾. ﴿المعارج: 4﴾، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾. ﴿فاطر: 10﴾، وكقوله: ﴿حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ في عدَّة مواضع. فيدلُّ ذلك على عُلُوِّه، وعلى أنَّ القُرآن كلام الله غير مخلوق.

وكذلك قصَّة مُوسى وفرعون، إذ قالَ فرعون: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ* أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾. ﴿غافر: 36، 37﴾. وهذا ظاهر غاية الظُّهور أنَّ فرعون قد أنكرَ ما قالهُ مُوسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُلُوِّ الله على خلقه، فقال هذه المقالة مُوهمًا ومُلبسًا على قومه، ولذلك كانَ السَّلف يسمُّون «الجهميَّة الفرعونيَّة» لاِعتقادهم نفي العُلُوَّ، كما اِعْتقده وأنكره فرعون.

° ومِنْ ذلك: اِسْمه الظاهر حيث فسَّره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه الَّذي ليس فوقه شيء.

° ومِنْ ذلك: اِخْتصاصه لبعض مخلوقاته بقربه وعِنديَّته، كقوله عَنِ الملائكة: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾. ﴿الأنبياء: 19﴾.

وأمَّا اِسْتواؤه على العرش فقد ذكرهُ الله في سبعة مواضع مِنَ القرآن، مثل قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. ﴿طه: 5﴾. فالاِستواء معلوم والكيف مجهول، كما يُقال مثل ذلك في بقيَّة صفات الباري، فإنَّ الكلام فيها مثل الكلام في الذَّات، فكما أنَّ لله ذاتًا لا تشبهها الذَّوات، فلهُ تَعَالَى صفات لا تُشبهها الصِّفات.

فصفة العُلُوِّ لله تَعَالَى ثابتة بالسَّمع والعقل كما تقدَّم، وصفة الاِستواء ثبتت في الكتاب وتواترت بها السُّنَّة.اهـ.

مِنْ ([«فتح الرَّحيم الملك العلاَّم فِي علم العقائد والتَّوحيد» / ص: (67، 68)])

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق