- ومن جملة اعتقاد أهل السنة والجماعة:-
إن جميع الذنوب – سوى الإشراك
بالله تعالى- لا تخرج المسلم من دين الإسلام ، إلا إن استحلها: سواء فعلها مستحلا ،
أو اعتقد حلها دون أن يفعلها ، لأنه عندئذ يكون مكذبا بالكتاب ومكذبا بالرسول صلى الله
عليه وسلم ، وذلك كفر بالكتاب والسنة والإجماع.
وكل مادون الشرك من الذنوب
لا يخلد صاحبها في نار جهنم ، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) (النساء : 48 ).
فنصت الآية على أن صاحب الذنوب
إلى مشيئة الله جل علا، إن شاء تعالى عفا عنه بمنه وكرمه، وإن شاء أدخله النار بقدر
ذنوبه، ليطهره بها ، ثم يخرجه منها بتوحيده فيدخل الجنة.
- صاحب الكبائر ناقص الإيمان:-
وقد سمى الله في كتابه بعض
الكبائر كالقتل والبغي ، وأثبت الإيمان لأصحابها ، فهم مؤمنون بإيمانهم ، فاسقون بمعصيتهم.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)
(البقرة : 178 )، فأثبت تعالى الإيمان للقاتل والمقتول من المؤمنين ، وأثبت لهم أخوة
الإيمان.
ولا منافاة بين تسمية المرء
فاسقا وتسميته مسلما:-
ولا منافاة بين إطلاق الفسق
على العمل أو عامله ، وتسمية العامل مسلما وجريان أحكام المسلمين عليه. وقصة الصحابي
عبد الله حمار – التي رواها البخاري في صحيحه – غاية في توضيح ذلك، حيث إن عبد الله
حمارا شرب الخمر ، فجئ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحد الصحابة رضي الله
عنهم: لعنه الله ما أكثر ما يؤتي به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه
، فإنه يحب الله ورسوله".
فلم يخرج من الإسلام بمجرد
هذه الكبيرة ، بل قد أثبت له الإيمان ، مع وقوعه في هذه الكبيرة.
- أقسام الكفر والشرك:-
وبيان ذلك : أن كلا من الكفر
والشرك والظلم والفسوق والنفاق جاءت في نصوص الشرع على قسمين:
1- أكبر: يخرج من الملة لمنافاته
أصل الدين بالكلية.
2- وأصغر : ينافي كمال الإيمان
ولا يخرج صاحبه منه.
وهذا تقسيم للسلف رضي الله
عنهم ، فقد أثبت حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن هناك كفرا
دون كفر ، وظلما دون ظلم ، وفسوقا دون فسوق ، ونفاقا دون نفاق.
- الكفر الأكبر:-
فالله تعالى سمى من دعا غيره
كافرا ومشركا وظالما.
قال الله تعالى: (وَمَن يَدْعُ
مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ
إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون : 117 ).
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا
أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجن : 20 ).
وقال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ
مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً
مِّنَ الظَّالِمِينَ) (يونس : 106 ).
وقال تعالى:( إِلَّا إِبْلِيسَ
كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (الكهف : 50 ).
فهذا في الكفر الكبر ، والشرك
الكبر ، والظلم الكبر ، والفسق الكبر، الذي لا يجتمع معه إيمان.
- الكفر الأصغر:-
وقال الله تعالى: (وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة :
44 ).
وقال تعالى:( وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة : 45 ).
وقال تعالى:(و َمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة : 47 ).
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء : 10 ).
وقال صلى الله عليه وسلم:
" سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر "، وقال صلى الله عليه وسلم:" من حلف
بغير الله فقد كفر أو أشرك".
فهذا في الكفر الأصغر، والشرك
الأصغر، والظلم الأصغر ،والفسق الأصغر، وهذا يجتمع معه الإيمان، كما نص على ذلك الكتاب
والسنة ، وأجمع عليه السلف ، وهو ينقص الأيمان ، وينافي كماله.
المعتقد الصحيح الواجب على
كل مسلم اعتقاده
الشيخ / عبد السلام بن برجس
آل عبد الكريم