الخميس، 18 أبريل 2013

« رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة »

قالَ الإمام عبد الرَّحْمَن بن ناصر السَّعديُّ (ت: 1376هـ) رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
" القول في رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة: على هذا جميع الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان، وأئمَّة الدِّين والهُدى، وبه أخبر الله في كتابه في عدَّة آيات، منها قولهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾. ﴿القيامة: 22، 23﴾.

أيْ: حسنة نيَّرة مِنَ السُّرور والنَّعيم، تنظر إلى وجه الملك الأعلى.

وقالَ تَعَالَى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾. ﴿المطففين: 15﴾. وهذا مِنْ أدلِّ الأدلَّة على أنَّ المؤمنين غير محجوبين عَنْ ربَّهم، لأنَّ اللهَ توعَّد المجرمين بألم الحجاب، فيستحيل أنْ يُحجب المؤمنون عنه ويكونوا كأعدائه.

وفي عموم قولهِ تَعَالَى: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾. ﴿المطففين: 23﴾. ما يدلُّ على رؤية الباري، فهم ينظرون إلى ما أعطاهم مولاهم مِنَ النَّعيم الَّذي أعظمه وأجلّه رؤية ربِّهم، والتَّمتُّع بخطابه ولقائه.

وقالَ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾. ﴿يونس: 26﴾. يعني: للَّذين أحسنُـوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه كأنَّهم يرونه، فإنْ لم يصلـوا إلى ذلك اِسْتحضروا رؤية الله تَعَالَى، وأحسنُوا إلى عباد الله بجميع وجُوه البرٍّ والإحسان القوليّ والفعليّ والماليّ.
فهؤلاء لهم الحُسنى وهي الجنَّة بما اِحْتوت عليه مِنَ النَّعيم المقيم، وفنون السُّرور، ولهم أيضًا زيادة على ذلك وهو رؤية الله والتَّمتُّع بمشاهدته، وقربه ورضوانه والحظوة عنده، بذلكَ فسَّرها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]، وكذلكَ قوله تَعَالَى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا﴾. جمعت كلَّ نعيم، ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾. ﴿ق: 35﴾، وهو النَّظر إلى وجه الله الكريم، والتَّمتُّع بلقائه وقربه ورضوانه.

وكذلكَ ما في القُرآن مِنَ التَّعميم لجميع أصناف النَّعيم، فإنَّ أعظم ما يدخل فيه رؤيةُ وجهه الَّذي هو أعلى مِنْ كلِّ نعيمٍ، كقوله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾. ﴿الزُّخرف: 71﴾، فكلُّ ما تعلَّقت به الأمانيّ والشَّهوات والإرادات، فهو في الجنَّة حاصل لأهلها، وجميع ما تلذّه الأعين مِنْ جميع المناظر العجيبة المسِرَّة، فإنَّه فيها على أكمل ما يكون.

وقوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾. ﴿الأحزاب: 44﴾، فهذا إخبار عَنْ تحيَّة الكريم لهم، وأنَّه سلَّمهم مِنْ جميع الآفات، وسلَّم لهم جميع اللَّذات والمشتهَيات، وإخبار عن رؤيته وقربه ورضوانه، لأنَّ اللِّقاء تحصل به هذه الأمور."اهـ.

مِنْ ([«فتح الرَّحيم الملك العلاَّم في علم العقائد والتَّوحيد» / ص: (69، 70)])

.................................................................................
[1]- كما في "صحيح مسلم" (برقم: 181)، مِنْ حديث صهيب الرُّوميّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق