الأربعاء، 13 مارس 2013

السعدي : من الأسباب الدينية لطول العمر وسعة الرزق

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في آخر ” الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية ” [ من صفحة : 71 ] :
” اعلم أن الآجال والأرزاق كسائر الأشياء مربوطة بقضاء الله وقدره  ، فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؛ {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [لأعراف:34]  ، فهذا أمر لا ريب فيه ولا شك ، ومع ذلك فهي أيضا كغيرها لها أسباب دينية وأسباب طبيعية مادية ، والأسباب تبع قضاء الله وقدره. ولو كان شيء سابق القضاء والقدر من الأسباب لسبقه العين؛ لقوتها ونفوذها.
  • فمن الأسباب الدينية لطول العمر وسعة الرزق:
لزوم التقوى والإحسان إلى الخلق لا سيما الأقارب ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره [أي: يطيل عمره] ؛ فليصل رحمه ) 1.
وذلك: أن الله يجازي العبد من جنس عمله، فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه وصلا حقيقيا ، وضده: من قطع رحمه قطعه الله في أجله وفي رزقه. ،  وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2، 3] .

  • ومن الأسباب الدينية لقطع طول العمر:
البغي والظلم للعباد فالباغي سريع المصرع، والظالم لا يغفل الله عن عقوبته ، وقد يعاقبه عاجلا بقصم العمر.
  • ومن الأسباب الدينية لمحق الرزق:
المعاملات المحرمة كالربا والغش، وأكل أموال الناس بالباطل ، فصاحبها يظن بل يجزم: أنها توسع عليه الرزق؛ ولهذا تجرأ عليها ، والله تعالى يعامله بنقيض قصده ، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] .
فالمعامل  بالربا يمحق صاحبه، ويمحق ماله، وإن تمتع به قليلا، فمآله إلى المحق والقل. كما أن المتصدق يفتح الله له من أبواب الرزق ما لا يفتحه على غيره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما نقصت صدقة من مال، بل تزيده – ثلاثا-  ) 2 ، وكذلك الغش وأكل أموال اليتامى والأوقاف بغير حق؛ من أكبر أسباب المحق؛ مع ما على صاحبها من الإثم والعقوبة.

  • ومن أسباب طول العمر وقصره الطبيعية:
الصحة والمرض ، فالعافية من الأسقام؛ سبب لطول العمر كما أن الأمراض بأنواعها سبب لقصره.
والمسكن والبقعة: إذا كانت صحيَّة طيبة الهوى ، صارت من أسباب عافية أهلها وطول أعمارهم والعكس بالعكس ، البقاع الرديئة المناخ والهوى ، أو البقاع الوبية سبب لقصر العمر، كما هو مشاهد ، والتوقي عن المخاطر والتهالك، واستعمال الأسباب الواقية فائدتها في طول العمر ظاهرة، والإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وسلوك المخاطر وكل أمر فيه خطر سبب ظاهر للهلاك. والأمثلة في هذا كثيرة.

  • ومن الأسباب المادية في حصول الرزق وسعته:
استعمال المكاسب النافعة ، وهي كثيرة متنوعة ، كل أحد يناسب له منها ما يوافقه ويحسنه ويليق بحاله ، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]  ، فيدخل في هذا العمل: جميع الأسباب النافعة.
وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] ، إلى غير ذلك من الآيات.

وكل هذه الأمور تابعة لقضاء الله وقدره ، فإن الله تعالى قدر الأمور بأسبابها: فالأسباب والمسببات من قضاء الله وقدره ، ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتقاة نتقيها، ورقي نسترقيها؛ هل ترد من قضاء الله وقدره شيئا؟ فقال: ( هي من قضاء الله وقدره ) 3.
  • وكذلك: الأدعية المتنوعة :
سبب كبير لحصول المطلوب، والسلامة من المرهوب ، وقد أمر الله بالدعاء ووعد بالإجابة ، والدعاء نفسه والإجابة كلها داخلة في القضاء والقدر.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الأمر؛ بالعمل بكل سبب نافع، مع الاستعانة بالله ، كما ثبت في الصحيح مرفوعا: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ) 4.
فهذا أمر بالحرص على الأسباب النافعة في الدين والدنيا، مع الاستعانة بالله. لأن هذه: الاستقامة.

  • وذلك لأن الانحراف من أحد أمور ثلاثة:
1- إما ألا يحرص على الأمور النافعة؛ بل يكسل عنها وربما اشتغل بضدها.
2- أو يشتغل بها، ولكن يتوكل على حوله وقوته، وينظر إلى الأسباب ويتعلق جميع قلبه بها، وينقطع عن مسببها.
3- أو لا يشتغل بالأسباب النافعة ويزعم: أنه متوكل على الله، فإن التوكل لا يكون إلا بعد العمل بالأسباب.
فهذا الحديث بين به النبي صلى الله عليه وسلم الطرق النافعة للعباد .

 ولنقصر على هذا: فإنه يحصل به المقصود، والله أعلم .
 وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
 

قال ذلك وكتبه: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
. غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين.
وافق الفراغ منه: في 3 ربيع الأول سنة 1376هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البخاري (5986) ومسلم (557) (21)
2 رواه مسلم (2577) (69) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بدون قوله: ” بل تزيده ثلاثا “.
3 رواه الترمذي (2065) و ابن ماجة (749) وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله .
4 رواه مسلم (2664) (34)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق